قصة قصيرة : ابتسامة حانية
بقلم / احمد عبد الوهاب.
مُضِي أُسْبُوعَانِ مُنْذُ اخْرِ مَرَّةً طَرِقَ عَلَيْهَا الْبَابُ ، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهَا ابْدًا مَوْعِدَيْنِ ، حَلَّ الْمَوْعِدُ الثَّالِثُ وَلَمْ يَظْهَرْ ، سَاوَرَهَا الْقَلَقُ فَاسْتَعَانَتْ بِإِحْدَي جِيرَانِهَا لِتَهَاتُفِهِ ، جَاءَ صَوْتُهُ ضَعِيفًا زَادَ مِنْ قَلَقِهَا ،عَلِي عَجْلٍ ارْتَدَّتْ مَلَابِسُهَا وَخَرَجَتْ لِلشَّارِعِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ مُنْذُ شُهُورٍ ،رَقَّ أَحَدُهُمْ لِحَالِهَا وَسَأَلَهَا عَنْ وُجْهَتِهَا ،شَعْرَ بِغُصَّةٍ فِي حَلْقِهِ لِضَعْفِهَا وَبَعْدَ الْمِشْوَارِ عَلَيْهَا ،لَكِنَّهُ ارْكَبَّهَا أَحَدَي الْحَافِلَاتِ الْعَامَّةِ وَ اوْصِي السَّائِقُ أَنْ يُوصِّلَهَا قُرْبَ الْمَكَانِ . اسْتَقَرَّتْ عَلَى كُرْسِيِّهَا تُعَانِي آلَامَ سَاقَيْهَا، لَكِنَّهَا تَذَكَّرَتْ ضِعْفَ صَوْتِهِ فَتَحَوَّلَ ضَعْفُهَا اليَّ قُوَّةً ، وَصَلَتْ بِصُعُوبَةٍ إِلَيَّ شَقَّتُهُ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْهَا مُنْذُ قُرَابَةِ الْأَعْوَامِ الثَّلَاثَةِ ، اسْتَقْبَلَتْهَا حَفِيدَتُهَا الصَّغِيرَةُ بِصَرْخَةِ فَرَحِهِ ، نَبَّهَتْ أَبَاهَا ، فَخَرَجَ مُسْرِعًا يَتَوَكَّأُ عَلَيَّ عُكَازٌ مَعْدِنِي ، ارْتَمَّتْ فِي حِضْنِهِ وَالدُّمُوعُ عَلَيَّ وَجَنَّتَيْهَا اللَّتَانِ حَفَرَتْ التَّجَاعِيدُ أَخَادِيدَ كَثِيرَةً فِيهِمَا ، وَبَعْدَ أَنْ اطْمَأَنَّتْ عَلَيْهِ ، أَصَرَّتْ عَلَيَّ الرُّجُوعَ لِبَيْتِهَا رَافِضَةً كُلَّ مُحَاوَلَاتِهِ لِكَيْ تَبِيتَ مَعَهُمْ اللَّيْلَةَ ، حَاوَلَ أَنْ يُرَافِقَهَا الْعَوْدَةَ لَكِنَّهَا رَفَضَتْ بِشِدَّةٍ ،وَبَعْدَ مُحَاوَلَاتٍ مُضَنِّيَةٍ وَافَقَتْ فقط أَنْ يُرَافِقَهَا لِلشَّارِعِ الْقَرِيبِ ، أَشَارَ لِأَحَدَي الْحَافِلَاتِ وَ سَاعَدَهَا بَعْضُ الرُّكَّابِ عَلَيَّ الصُّعُودَ ،وَدَعَتْهُ بِابْتِسَامَةٍ حَانِيَةٍ ،ظَلَّتْ مُرْتَسِمَةً عَلَيَّ وَجْهَهَا وَ هِيَ عَلِي كُرْسِيُّ الْحَافِلَةِ ، الَّتِي مَضَتْ بِهَا بَعِيدًا.