مقالات و آراء

احمد عبد الوهاب يكتب : وفاة ملكة بريطانيا وتغزل البعض بالديموقراطية البريطانية والملكية الدستورية.

بقلم / احمد عبد الوهاب

يعتبر البعض نظام الحكم في بريطانيا هو نظاما مثاليا ،لدرجة انهم أطلقوا عليه اسم أو مصطلح براق ألا وهو”الملكية الدستورية ” حيث لا يتمتع الملك سوى بصلاحيات شكلية والسلطة الفعلية في يد الشعب ممثلا في رئيس الوزراء.
و البعض يروج لفكرة رومانسية ساذجة أن ملوك بريطانيا تنازلوا طوعًا عن سلطاتهم وأعطوا الشعب كامل الصلاحيات لأنهم حكام صالحون وشعوب متحضرة ، لكن المدقق في الأمر والمتابع الحقيقي لاحوال بريطانيا يدرك أنها لم تصل لهذه المرحلة إلا بعد 500 عام تقريبًا من الصراعات والحروب الأهلية والثورات والثورات المضادة.
حاليا بعد وفاة الملكة اليزابيث الثانية
خلفها ابنها الأمير تشارلز والذي أصبح تشارلز الثالث، أي أن هناك اثنان من الملوك سبقوه ، ومهم جدا أن تعلموا أن الملك تشارلز الأول أعدمه البرلمان الإنجليزي وقطع رأسه واسقط أمام الجماهير، وذلك بعد حرب أهلية دامت 7 سنوات بين أنصار الملك وأنصار البرلمان ، جزء من الحرب كان طائفيًا (كاثوليك وبروتستانت) والجزء الآخر حول صلاحيات الملك، فالكاثوليك آمنوا أن قرارات الملوك منزلة من السماء وأنه ظل الله على الأرض أما البروتستانت فآمنوا أنه لا عصمة للملوك وشرعيتهم يجب أن يأخذوها من الشعب.
بعد إعدام تشارلز الأول ، حكم بريطانيا نظام جمهوري لعشرة أعوام تحت مسمى “الكومونولث” و هي كلمة بالإنجليزية معناها العموم أو عامة الشعب ، إلا أن قلة خبرة قادة النظام الجمهوري والتطرف الديني لبعضهم وخاصة من عرفوا بالبيوريتان (المتطهرين) – أرادوا منع العمل يوم الأحد ومنع الخمور وإغلاق الكنائس الكاثوليكية، كل ذلك دفع الناس للندم على أيام الاستبداد الجميل (تمامًا مثل من يترحمون على أيام الملكية في مصر).
وفي لحظة تياسة ثورية تنازل الثوار وأعادوا النظام الملكي، ونصبوا تشارلز الثاني (ابن تشارلز الأول) ملكًا، ثم سرعان ما كشر عن أنيابه فحاولوا الثورة عليه فأعدم من أعدم وشرّد من شرّد.
وانتظر الثوار موته على أحر من جمر وبعد موته جاء أخاه جيمس الثاني وكان أكثر تعصبًا للكاثوليكية والاستبداد الملكي ، فوجدوا أنه لا مجال إلا الثورة عليه فجمع أنصار البرلمان قواتهم وجمع الملك أنصار، وقبل بدء المعركة الحاسمة خاف الملك وهرب (ربما تذكر مصير والده تشارلز الأول).
جاء الثوار بشقيقته ماري وزوجها وليام الذين كانا بروتستانت، ولما لم ينجبا أطفالًا واقترب أجلهما خشي البرلمان أن يأتي للحكم أحد أقارب الملكة الكاثوليك ممن يؤمنون بالاستبداد الملكي،فأصدر البرلمان قوانين تنص على أن يكون الملك بروتستانتيًا وأنه صحيح نظام الحكم ملكي وراثي لكن يجب أخذ موافقة البرلمان على تنصيب الملوك.
بعد موت الملكة بحثوا عن قريب لها بمواصفات تلائم البرلمان، فلم يجدوا سوى أحد أبناء عمومتها الألمان وكان حاكمًا لإمارة ألمانية صغيرة، فجاءوا به وحكم بريطانيا باسم جورج الأول ، الذي لم يكن يتقن الإنلجيزية فقال البرلمان كيف سنستجوبه ونحاسبه ونتفاهم معه ونحن لا نفهم لغته؟ فطلبوا منه أن يعين رئيسًا للوزراء نيابةً عنه يتفاهمون معه فلم يكن أمامه سوى الاستجابة ففي هذه المرحلة كان البرلمان هو الحاكم الحقيقي لبريطانيا. وبعد فترة اكتشف البرلمان أنه لا ينسجم مع بعض رؤساء الوزراء، فوضع قانونًا يشترط بحصول رئيس الوزراء على ثقة (موافقة) البرلمان، وبعد فترة تم تقليص صلاحيات مجلس اللوردات (رجال الاقطاع) وأصبحت معظم صلاحيات البرلمان بيد مجلس العموم (عامة الشعب).
وهكذا كل فترة يأخذون القليل من صلاحيات الملك حتى وصلنا إلى ملوك صوريين لا يحكمون.
من الطقوس التي رسخها الإنجليز أن الملك عندما يتوجه لإلقاء كلمة في البرلمان، يقف على الباب ويطرق مستأذنًا ويأتيه الحاجب فيطلب منه الملك الدخول، فيذهب الحاجب ويطلب الإذن من رئيس البرلمان ولا يدخل الملك قبل أن يبلغه الحاجب بالموافقة.
وهي اليوم أصبحت طقوس شكلية،لكنها وضعت بالأصل حتى يدرك الملك حجمه الحقيقي وأنه ليس سوى تابع للبرلمان.
المحصلة هنا أن الإنجليز لم يصلوا لهذه المرحلة لأن الملوك تنازلوابإرادتهم عن سلطاتهم بل لأن رأس الملك تشارلز الأول تدحرج أمام الجماهير، وقبله كانت ثورات وصراعات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها . الخلاصة أن الديمقراطية التي وصل إليها الإنجليز لها ثمنها الغالي وكان ورائها إرادة شعبية وكما قال أبو القاسم الشابي اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد لليل أن ينجلي. ولابد للقيد أن ينكسر.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى