من هنا وهناك

تيمور لنك الاعرج ” سلطان المغول “مدمر الأمم قاتل الملوك الذي هزمه الثلج

كتب طارق  تغيان

في مدينة “شهر سبز” جنوبي سمرقند في أوزبكستان ولد السلطان المغولي تيمور لانك عام 1336م. وعاش أيام صباه بين القبائل الرُّحل الأوزبكية، وأتقن فنون الحرب الشائعة من الصيد والفروسية ورمي السهام، حتى غدا فارسًا ماهرًا، وعندما تُوفِّي “كازغان” آخر إيلخانات فارس سنة 1357م كان تيمور وزيرا وتابعا لملك كاشغر الى ان ساءت العلاقة بين الرجلين؛ فتمرد عليه، ولحق بصهره الأمير حسين حفيد كازغان، وفرَّا إلى خراسان، ومنها الى قندهار ثم إلى سيستان، وعلى اثر هجوم أصيب تيمور بجراحات شديدة، وتعرضت قدمه اليمنى لضربة جعلته يعرج، فسُمِّي بـ”تيمورلنك” أي تيمور (الأعرج). 

بعدها انتصر “الأعرج” على جميع اعدائه وأعلن نفسه حاكمًا على سمرقند عام 1370م، زاعما أنه من نسل جغتاي بن جنكيز خان (وهذا الى اآن مخل خلاف!)، واخذ على عاتقه إعادة مجد دولة المغول، ووقرر التوسع على حساب جيرانه. فاتجه إلى خوارزم في 1379م ودمرها بشكل هجمي، ثم صحراء القبجاق، بين نهر سيحون وبحيرة خوارزم وبحر الخزر. ثم إقليم خراسان كله عام 1380م، ثم إلى مازندران وأذربيجان، وإقليم فارس عام 1385م. بلغ عدد قتلاه على اقل التقديرات سبعمائة ألفًا، أقام تيمورلنك من جماجمهم جبالا وتفاخر بها! وفي 1391م وعلى اثر ثورة قامت ضده في خوارزم، اجتاحها ودمرها عن آخرها، وأعاد تعميرها بنفسه في السنة التالية. بعدها قصد إيران في 1392م وظل هناك خمس سنوات مشغولاً بقمع تلك الثورات. ثم أخضع “جرجان” و”مازندران”، ثم اتجه إلى العراق فاستولى على “واسط” و”البصرة” وغيرهما، والتحرش بدولة المماليك في عهد السلطان برقوق، ولكنه لم يواجهه مواجهة مباشرة، اذ انصرف لفتح بلاد الأرمن والكرج. وبعدها زحف في نحو مائة ألف جندي واحتل موسكو لمدة عام واحد. و كان تيمورلنك قد بلغ عامه الستين، لكن هذا لم يوهن من عزيمته في مواصلة الغزو، ولم يركن إلى الراحة والخلود إلى ما حققه من قوة ونفوذ، والتمتع بمباهج الجاه والسلطة، فعزم على غزو الهند متذرِّعًا، وانقضَّ بجيشه الجرار على قوات محمود تغلق في 1397م، وأنزل به هزيمة ساحقة، واحتل “دلهي” عاصمة دولة “آل تغلق”، وقام بتدميرها وتخريبها، وبلغ من بشاعة التدمير أنها لم تنهض مما حلَّ بها إلا بعد قرن ونصف القرن من الزمان! بعدها عاد تيمورلنك إلى سمرقند محمَّلاً بغنائم وفيرة، ومعه سبعون فيلاً تحمل الأحجار والرخام التي أحضرها من دلهي، ليبني بها مسجدًا في سمرقند. 

ولم يمكث تيمورلنك طويلاً، وانطلق في حملة كبيرة سُميت بحملة السنوات السبع عام 1405م لغزو الشام في وقت حكم السلطان “فرج بن برقوق” وايضا مواجهة السلطان العثماني “بايزيد الأول” سلطان الدولة العثمانية الذي كان يحكم شرق آسيا الصغرى. وبدأ تيمورلنك غزواته باكتساح “عينتاب” ثم اتجه إلى حلب حيث دار قتال دام أربعة أيام سقطت بعدها، وبلغ عدد القتلى فيها عشرين ألفاً والأسرى أكثر من ثلاثمائة ألف. وبعد عمليات النهب والحرق والسبي والتخريب التي قام بها تيمورلنك وجيشه اتجه إلى حماة والسلمية، ولم يكن حظهما بأحسن حال من حلب، وواصل زحفه إلى دمشق التي بذل أهلها جهودًا مستميتة في الدفاع عن مدينتهم، لكن ذلك لم يكن كافيًا لمواجهة جيش جرار يقوده قائد محنك، فاضطروا إلى تسليم دمشق. ولمَّا دخل تيمورلنك المدينة أشعل فيها النار ثلاثة أيام حتى أتت على ما فيها، وأصبحت أطلالاً، وبعد أن أقام بها ثمانين يومًا رحل عنها مصطحبًا أفضل علمائها وأمهر صُناعها، واتجه إلى طرابلس وبعلبك ففتحهما، وعند مروره على حلب أحرقها مرة ثانية وهدم أبراجها وقلعتها، وبذلك وجّه ضربات قاصمة لدولة المماليك في الشام التي لم تفلح في مقاومة هذا الغازي الجبار وجيشه الجرار، ورغم انتصاره الا انه لم يعلن سيادته لتلك الاراضي وانصرف قبل مواجهة الجيش المملوكي القادم من القاهرة. وفي العام التالي اتجه تيمورلنك إلى بغداد، فهاجمها هجومًا شديدًا، ودمر أسوارها، وأحرق بيوتها، وأوقع القتل بعشرات الآلاف من أهلها، ولم تستطع المدينة المنكوبة المقاومة فسقطت تحت وطأة الهجوم الكاسح في أيدي تيمورلنك، ويعد هذا هو السقوط الثاني للمدينة العريقة.

ولم تُشبِع هذه الانتصارات طموح تيمورلنك الجامح وإسرافه في الغزو وشغفه بفتح البلاد والمدن، فانطلق في سنة 1402م نحو آسيا الصغرى فاقتحم “سيواس” والأناضول، واصطدم بالدولة العثمانية الفتيَّة. واستعد بايزيد لملاقاة الغازي الجامح الذي تقدم بجيش جرار قوامه 300 ألف جندي، والتقى بالجيش العثماني في “معركة أنقرة” في يوليو 1402م، حيث اجتاح القوات العثمانية، وأسر بايزيد هو وأحد أبنائه، ولم يتحمل السلطان العثماني ذل الأسر فمات كمدًا في مدينة “أمد شهر”، عام 1404م 

ولم يكد يستقر تيمور لانك في سمرقند حتى أعد العدة لغزو الصين في خريف عام 1404م، وكان الجو شديد البرودة حين خرج لغزوته الأخيرة، وعانى جيشه قسوة البرد والثلج، ولم تتحمل صحته هذا الجو القارس، فأصيب بالحمى التي أودت بحياته في فبراير عام 1405م، بعد أن دانت له البلاد من “دلهي” إلى بغداد، ومن بحيرة آرال إلى الخليج العربي، وبعد وفاته نقل جثمانه إلى سمرقند حيث دفن هناك في ضريحه المعروف بكور أمير، أي مقبرة الأمير.

وقد صورت المصادر العربية والفارسية شخصيته على نحو مخيف فهو بالغ القسوة، جامد القلب، يميل إلى سفك الدماء وإقامة المذابح، وهو بالفعل كذلك، لكنها أخفت جانبا آخر مشرقا، فقد كان رجلا واسع المعرفة، يتحدث بلغات متعددة، يحب الأطباء والفلكيين والفقهاء، جمع الصناع المهرة من كل أنحاء الدنيا في عاصمته “سمرقند”، وقد شيد حضارة عظيمة في بلاده، وأقام المنشآت الشامخة في بلاده، وتُعدُّ المقبرة التي بناها لنفسه آية من آيات البناء ومثالاً لسمات العمارة في العصر التيموري. وبالإضافة إلى شغفه بالعلوم والفنون شارك بالتأليف والكتابة، فوضع مجموعة من القوانين التي أطلق عليها اسم “تزوكيات”، وكتب سيرته الذاتية باللغة الجغتائية التي ازدهرت آدابها في عصره وعصر حلفائه. ويعد تيمورلنك عند الشعوب التركستانية وعند الأوزبك بطلاً قوميًّا، واحد قادة العالم الذين لم يعرفوا الهزيمة ورمزًا للشجاعة والعدل ومراعاة المبادئ الإسلامية.

اظهر المزيد

Ahmed Abd-Elwahab

احمد محمد احمد عبد الوهاب قاص وصحفي بعدة صحف ومواقع إلكترونية _ رئيس مجلس إدارة موقع وجريدة "الخبر اون لاين". _ مؤسس صفحة تاريخنا الخالد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى