من هنا وهناك

شخصيات بين صفحات التاريخ.

 

كتب طارق تغيان

والخديوي توفيق. ويعتبر مؤسس النظام الدستوري أو (أبو الدستور في مصر). وهو من مواليد اسطنبول عام 1823م، كان والده أحمد شريف باشا قاضيا كبيرا تم تعيينه في الحجاز في عهد السلطان محمود الثاني، فمر بمصر هو وعائلته ومكث فيها بعض الوقت في طريقه إلى مقر عمله الجديد، فأعجب محمد علي باشا بنجله، وأقنعه بأن يتركه تحت رعايته في القصر مع الأنجال.

وفي رواية أخرى أن محمد شريف جاء لمصر للدراسة في الأزهر ونزل برواق الأتراك، وعندما سافر محمد علي للآستانة التقى مع والده القاضي أحمد شريف باشا، والذي أوصاه بابنه، فلما عاد محمد علي لمصر أرسل في طلب محمد شريف من الأزهر، وأشرف على تعليمه.

وأيا كانت الرواية الصحيحة، فقد تعلم الصبي محمد شريف تعليما راقيا مع الأنجال، والتحق بالمدرسة الحربية بالخانكة بأمر من محمد علي باشا ومعه بعض ابنائه واحفاده، ولذلك توطدت علاقته بهم الى حد كبير.

ولنباهته واجادته للغات الاجنبية أوفده محمد علي باشا في مهمات للآستانة، ولأوروبا ممثلاً عن مصر، وقد حضر بنفسه مؤتمر لندن عام 1840م بصفة غير رسمية طبعا، ليشهد بنفسه مصير علاقة الوالي محمد علي باشا بالدولة العثمانية وأوروبا. وبعد انهيار حُلم محمد علي وتفكك دولته، تم اختيار شريف باشا عام 1844م للاشراف على بعثة الأنجال لباريس، وكان من أفراد هذه البعثة من أنجال محمد علي الأميران حسين و عبد الحليم، ومن أحفاده إسماعيل (الخديوي لاحقاً) وأحمد رفعت، وعلي مبارك (ناظر المعارف لاحقا) وغيره، حيث التحق الجميع بأكاديمة saint cyr العسكرية لمدة خمس سنوات، عاد بعدها شريف باشا ليلتحق بالجيش المصري ياورا لسليمان باشا الفرنساوي اركان حرب الجيش، وقد دفعه عدم اهتمام الوالي عباس الأول به وبالجيش لترك الحياة العسكرية ليعود الى اسطنبول للحصول على ميراث والده، وبعد عودته لمصر مرة اخرى عمل في دائرة الأمير محمد عبد الحليم، حتى أعاده الوالي محمد سعيد باشا للحياة السياسية والعسكرية من جديد، والتي ظل بها حتى وفاته عام 1887م.

ورغم نشأته التركية، وتدرجه في أروقة البلاط والسلطة، ألا أن شريف باشا كان قريبا من المصريين بشكل كبير، متواضعا وليس متكبرا كعادة الأتراك، يتحدث اللهجة المصرية بطلاقة حتى في دوائر الحكم والسلطة، بعد أن زالت التركية شيئا فشيئا من أروقة الحكم ومؤسسات الدولة، وقد اتخذ موقفا وطنيا ضد الخديوي توفيق في الثورة العرابية، وأشرف بنفسه على تأسيس مجلس شورى النواب (البرلمان) كتابة وإقرار أول دستور وطني باللغة العربية لمصر في العصر الحديث.

في عهد شريف باشا صارت معرفة القراءة والكتابة شرطاً أساسيا لتعيين أعضاء مجلس شورى النواب، فلا يصح أن يكون نائب الشعب أمياً! مما شجع على نشر التعليم، وشكّل أيضا أول مجلس للمعارف لإعداد المشورة في أمور التعليم ووضع لائحة خاصة به. كما عمل بدعم من سعيد باشا والي مصر على تحسين حالة الضباط والجنود المصريين بالجيش وكفالة حقوقهم في الترقيات والمرتبات والمعاش، كما أصدر أول لائحة للتعليم في المدارس الحربية.

وفي عهد الخديوي اسماعيل أسس شريف باشا المحاكم الأهلية لتطوير النظام القضائي، فكان بحق رائد من رواد النهضة المصرية في القرن التاسع عشر الميلادي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى