رموز من بلدنا

عرابي و ٢٠ عاما في المنفي حولته من “حامي حمي الديار المصرية” إلي سبب نكبة الاستعمار

كتب طارق  تغيان

عشرون عاما قضاها الزعيم الكبير أحمد عرابي في المنفى بجزيرة سيلان (سريلانكا) جنوب غرب الهند، ولكن أشواقه إلى مصر لم تنقطع يوما واحدا.

ففي عام 1893م مات الخديوي توفيق وتولى ابنه عباس حلمي التاني خلفا له، وأراد التقرب إلى المصريين فأصدر عفواً عاماً عن كل رموز الثورة العرابية، لمن أراد منهم أن يعود من منفاه إلا عرابي! .

كان عباس حلمي يشعر أنه ليس بمفرده  صاحب القرار، فمعه السلطان العثماني الذي أصدر فرمانا بعصيان عرابي  وملكة الإنجليز بصفتها الدولة المحتلة!!

أراد عرابي أن يختتم ما تبقي له من أيام في هذة الدنيا علي أرض مصر وسط أهله وأن يدفن إلى جوار أمه و أبيه وليس بعيدا في أقاصي الدنيا.

 أما في مصر، فصار الاحتلال الإنجليزي أمرا واقعا، ليست هنالك أي مقاومة، فالانجليز والاجانب عموما يعيشون في مصر بسلام ويمشون بكل طمأنينة في شوارع القاهرة، التي كانت تسكنها مختلف الطوائف و الاديان. وكانت تلك الأخبار تصل عرابي في منفاه فبدأ يراجع نفسه: هل كان علي حق حينما عارض الخديوي توفيق؟!.. هل كانت حقا مطالب ثورته مجرد مطالب فئوية خاصة بشئون الجيش؟!.. أم أنها كانت ثورة من أجل العدالة و رفع يد الظلم عن الشعب و تشريع نظام جديد للحكم يمنح الشعب بموجبه كافه الحقوق التي كانت مسلوبة ! 

كل هذا الآن صار هباءاً منثوراً!. فالرجل الآن يريد العودة إلى بلاده ومغادره هذا المنفي البعيد.

عرابي لم يفكر كثيرا فيما سوف يقوله التاريخ عنه لو قرر الإعتذار عن ثورته..! كتب علي الفور ثلاثة خطابات أحدهما إلى الملكة فكتوريا ملكة إنجلترا يعتذر عن ثورته ويطلب العفو من الحكومة البريطانية، والثاني للسلطان العثماني في اسطنبول يطلب العفو و السماح له بالعودة إلى القاهرة، والخطاب الأخير للحكومة المصرية يحمل نفس الطلب.. وتمت الموافقه علي طلب عرابي وعاد الي القاهرة سنة 1903 بعد عشر سنوات من العفو عن رفاقه..

و بمجرد العودة، بدأت الصحافة تهاجمه من جديد، و توجه له أقسي وأصعب الانتقادات وتكيل له الشتائم و السباب وتتباري فيما بينها للنيل منه، و كأنه هو السبب الوحيد والمباشر في الاحتلال و لم يخطئ أحدا غيره!!.. حتي أمير الشعراء احمد شوقي كتب قصيدة يهجو بها عرابي قائلا في مطلعها :

صغارٌ في الذِّهابِ و في الإيابِ
أهذا كلُّ شأنِك يا عُرابي؟!
عفى عنكَ الأباعدُ و الأداني
فمَن يعفو عن الوطنِ المصابِ؟

ولذلك قرر عرابي أن يقضي ما تبقي من حياته في صمت، لعل الناس ينسونه أو يتجاهلونه، ولعله يسلم من هذة المضايقات.

ولكن الناس أبدا لم يرحمونه! ما من مرة قابله أحدهم و هو جالس علي إحدى المقاهي بحي السيدة زينب حتي شتمه وبصق في وجهه متهما إياه بالتسبب في احتلال البلاد!! وهكذا حتي قرر الرجل عدم النزول من بيته و كأنه ندم علي عودته من المنفي ..

وفي عام 1911 فجأءت جريدة الأهرام قراءها بنبأ وفاة أحمد عرابي بعدما كان قد نساه الناس، و بالطبع لم تنسى الجريدة في مُتن الخبر أن تُذكّر قراءها بأنه السبب في احتلال البلاد وتفتُّت الامبراطورية المصرية التي بناها محمد علي باشا .

اظهر المزيد

Ahmed Abd-Elwahab

احمد محمد احمد عبد الوهاب قاص وصحفي بعدة صحف ومواقع إلكترونية _ رئيس مجلس إدارة موقع وجريدة "الخبر اون لاين". _ مؤسس صفحة تاريخنا الخالد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى