رموز من بلدنا

كما كانت صاحبة اول حضارة …أول عصيان مدني في العالم حدث في مصر القديمة.

كتب / احمد عبد الوهاب

عند النظر في أدبيات المصريين القدماء
يتضح لنا أن حياة العمال والحرفيين كانت أكثر يُسرا واستقرارا مقارنة بحياة الفلاحين، فقد كان العمال يحصلون على أجورهم بصفة شهرية منتظمة وخاصة عمال المقابر ، وقد جاء نص على لسان أحد القضاة من الأسرة الخامسة يصف فيها معاملته لعمال المقابر قائلا:
“جميع من عملوا في هذه المقبرة نالوا أجرهم بالكامل من خبز وجعة وملابس وزيت وقمح بكميات كبيرة ، كما أنني لم ُأُكره أحدا على العمل”
وكان عمال المقابر بدير المدينة في البر الغربي بالأقصر من أكثر العمال ذكرا في النصوص المصرية القديمة ،فقد كانت هذه المنطقة وعلى الأخص خلال عصر الدولة الحديثة مثل خلية النحل التي تعج بالصُناع والعمال المختصين بشئون الإعداد للدار الآخرة
وكانت مهمة هؤلاء العمال شاقة فقد كان تجهيز المقابر الملكية من الصعوبة بمكان حيث امتدت في سراديب واسعة لمئات الأقدام
وتم تزيينها بنقوش ملونة وكتابات بارزة
بالإضافة إلى صناعة الأثاث الجنائزي وتحنيط الموتى
وقد دعا كل هذا إلى قيام مستعمرة دائمة للعمال الذين أفرغوا حياتهم لهذه المهمة
وترتب على ذلك وجود إدارة مسؤولة عن هذه المستعمرة تحت إشراف موظف مختص منتدب من الملك ، وكان عدد العمال بالمنطقة كبير لدرجة أنهم انقسموا إلى قسمين رئيسيين
قسم في الجانب الأيمن وقسم آخر في الجانب الأيسر ، وكان لكل جانب منهما رئيس للعمال ومعه كاتب يحفظ السجلات ويشرف على الحسابات، وكان في كل جانب أيضا إدارة للأمن والحماية تتكون من ضابطين وسبعة جنود لحماية المقابر من السرقات، وكانت كل التخصصات المطلوبة بالجبانة موجودة بين هؤلاء العمال من نحاتين وحفارين وعمال محاجر وصانعي النحاس والنجارين والعاملين بالملاط وغيره.
وكان عمال المقابر بدير المدينة يحصلون على أجورهم على هيئة تعيينات تشمل حبوبا وأسماكا وخضرا وزيوتا وأقمشة وتمرا وجعة وغيرها، وبالرغم من ضَعف هذه الأجور إلا إنهم رضوا بها، ولكن هذا الحال لم يستمر طويلا
فقد تغير في عهد “رمسيس الثالث”الذي أغدق بإسراف على كهنة المعابد وخاصة معبد آمون
الذي ملئت خزائنه بالأموال والضرائب التي فُرضت على الشعب، وترتب على ذلك ازدياد ثروة الكهنة وتقلص شديد في قوت الشعب بصفة عامة وعلى عمال الجبانة بدير المدينة بصفة خاصة،فنضبت التعيينات الممنوحة لهم بل واستمرت لمدة شهرين لا تُعطى لهم ، فدفعهم القحط والجوع إلى التوقف عن العمل
والخروج بمظاهرة ضخمة إلى مكاتب الإدارة للاحتجاج قائلين:-“ليست لدينا أقمشة ولا زيت ولا سمك ولا خضر
أرسلوا إلى فرعون مولانا الطيب بذلك
وارسلوا إلى سيدنا الوزير حتى تكون هناك وسيلة لمعونتنا على أن نعيش”
وتكررت هذه الشكاوى مرات ومرات ولكن دون جدوى, حتى بلغ الضعف والجوع بالعمال مبلغه فلم يستطيعوا الاستمرار في عملهم، ولما لم يستجب أحد لمطالبهم
أعلنوا العصيان المدني والإضراب الكامل عن العمل،،فتجمعوا وتآزروا واتجهوا نحو معبد الرمسيوم ورفعوا حناجرهم بهتاف واحدٍ صائحين“نحن جوعى نحن جوعى”
محاولين بذلك إيصال مطالبهم للوزير والفرعون وقد حاول رئيس الشرطة التفاوض معهم وإثنائهم عن الإضراب لكن دون جدوى
واستمروا في الإضراب والتظاهر لمدة ثلاثة أيام متتالية وأصروا على أخذ حقوقهم كاملة
بل ورفعوا سقف مطالبهم وهم يهتفون نريد مقابلة الملك،وبالفعل تحققت في النهاية كل مطالبهم، حيث رضخ الملك وإدارته لهم وأعطاهم حقوقهم كاملة
بل وأمر بالتحقيق في قضايا الفساد والسرقة و معاقبة المذنبين والمقصرين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى