تحقيقات

لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص “الثأر…. والعصبية القبلية تشعل المعارك بين العائلات”

كتب / طارق محمد احمد تغيان

اولاد طوق …أو دار السلام كما أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات بعد أن زارها في نهاية السبعينات…هذا المركز الذي انجب العديد من مشاهير السياسة والفن ، من منا لا يذكر الدكتور عبد الحميد رضوان ، وزير الثقافة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.

هنا…في دار السلام بمحافظة سوهاج،  لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص.. هنا مركز دار السلام ، الذى لا تغرب عنه حروب الانتقام بين العائلات والقبائل المتناحرة، حول أراضى الشريط الضيق، حتى تحولت المنطقة من دار سلام إلى «دار حرب»، على حد قول بعض الأهالى.

أصبح المركز الذي يبعد عن القاهرة بنحو 500 كيلومتر، حديث الصباح والمساء بسبب الاشتباكات المستمرة والثأر والعلاقات المتشابكة بين القبائل، ما يشعرك وأنت ترصد أوضاع هذا المركز «الملغم»، بأنك داخل ثكنة عسكرية، حيث الأسلحة الثقيلة والخفيفة بداية من القنابل اليدوية والجرانوف سريع الطلقات والسلاح الإسرائيلى وانتهاءً بالسلاح نصف الآلى.

تشتعل المعارك دائماً بين قبائل الهوارة والعرب، وأحياناً بين العائلات القبيلة أو بين أهالى القرية الواحدة، خاصة فى قرى بالبلابيش وأولاد يحيى وأولاد سالم والخيّام وأولاد خلف، وكانت أحدث الاشتباكات بين عائلتى «الشرابلة» من قرية أولاد سالم و«القوايدة» من قرية أولاد خلف، وأسفرت عن مقتل كبير العائلة الأولى، انتقاماً لمقتل اثنين من عائلة «القوايدة» فى اشتباكات سابقة.

وقبل هذا الحادث أصيب 5 وتم تدمير عدد من المنازل فى قرية بالبلابيش قبلى، بعد معركة استمرت 3 أيام بين عائلات متناحرة، وتعد قرية «الكشح» أشهر الأماكن التى شهدت فتنة طائفية فى المركز نهاية التسعينيات، وأطلق عليها عقب الواقعة قرية «السلام» كدعوة لنبذ العنف بين الطرفين.

«الخبر اون لاين » رصدت حالة الرعب بين مواطني “دار السلام ” بسبب التجهيزات التى يقوم بها كل طرف استعداداً للقتال بين عائلات وقرى غاب عنها الأمن، بعد أن غلت يد الشرطة عن محاسبة الجناة، على حد قول بعض الأهالى.

الوصول إلى العائلات المتناحرة فى «أولاد سالم» و«أولاد خلف»، خاصة بعد مقتل كبير عائلة «الشرابلة»، لم يكن سهلاً، وعندما علم بعض أهالى القريتين أننا صحفيون، حذرونا من المخاطرة، وقالوا لنا إن الاشتباكات قد تندلع فى أى لحظة، وكان الوصول إلى القريتين مستحيلاً، لولا أحد المواطنين بقرية أولاد سالم، الذى توسط لنا للحديث مع ابن المجنى عليه من عائلة الشرابلة، وتدخل آخر للحديث مع أفراد العائلة الأخرى فى الصراع.

كانت الأكمنة المسلحة منتشرة على أطراف الطرقات وأعلى المنازل وفى الزراعات، بينما بدت الشوارع كأنها خالية من البشر، تنتظر المارين بـ«فارغ الصبر»، ليعيدوا إليها الحياة، بعدما أصبحت كأنها خاوية على عروشها.

تنوعت الأسلحة، وتغيرت أسعارها حسب قدرات كل منها، وعدد الطلقات التى تحملها، وتوافرها فى سوق السلاح، وشملت القنابل اليدوية وسعرها 300 جنيه للقنبلة، والجرانوف سريع الطلقات وسعره 45 ألف جنيه، والسلاح الآلى ويتراوح من 10 إلى 25 ألفاً حسب حالته، والسلاح الإسرائيلى، المهرب من ليبيا، بلغ سعره 12 ألف جنيه، والسلاح نصف الآلى سعره 6 آلاف جنيه.

الصراع وصل بين العائلتين إلى استخدام جميع الأساليب، حتى إنهم استخدموا الحرب النفسية لأول مرة فى تاريخ الصراع القبلى بين العائلات فى الصعيد، حيث وزعت قبيلة هوارة أولاد سالم، التابعة لها عائلة «الشرابلة» منشورات، أرسلت منها نسخاً إلى جميع عائلات قرية أولاد خلف، التى تتبعها عائلة «القوايدة»، تطلب منها تحديد موقفها من الصراع بين العائلتين، وتؤكد لهم أنه فى حالة مشاركتها مع عائلة «القوايدة» فى المواجهة ستتدخل جميع عائلات الهوارة، بالبلابيش وأولاد سالم لصالح «الشرابلة»، فى مواجهة «القوايدة»، وطلبت فى المنشورات تحديد الموقف من «المعارك»، خلال 10 أيام فقط.

وصلنا «دوار» عائلة «الشرابلة»، وهناك قابلنا نجل المجنى عليه على محمد على رضوان، وقال: «يوجد نزاع قضائى بين عائلتى وعائلة القوايدة بسبب قطعة أرض مساحتها 18 فداناً، كان والدى مستأجرها منذ 30 عاماً، ورغم علم أفراد عائلة القوايدة بأننا مستأجرون للأرض، اشتروها من صاحبها دون علمنا، رغم أن العرف السائد فى الصعيد، أن تكون الأولية لشراء الأرض للمستأجر، وما قامت به «القوايدة» تعد على العرف والأصول التى تحكم المجتمع الصعيدى».

وأضاف: «إن شراء الأرض أشعل غضب والدى، الأمر الذى تدخل بشأنه كبار العائلات وأعضاء مجلسى الشعب والشورى، لكن (القوايدة) رفضوا جميع الحلول التى اتفق عليها الجميع، وبعدها تم وضع حراسة على الأرض، بمساعدة أحد أقارب العائلة، رغم وجود قرار تمكين من المحامى العام سنة 2008 للمستأجر بوضع يده على الأرض المتنازع عليها».

وتابع «رضوان»: «بسبب الحراسة حدث العديد من النزاعات بين الطرفين، وحدثت اتهامات متبادلة، إلى أن تمت تبرئة المتهم من القوايدة، بوساطة من شقيقه عقيد الشرطة بمباحث المديرية، بينما تم إصدار أحكام على اثنين من عائلتى، وتم حبسهما، رغم أن أعمارهما تتعدى الـ80 عاماً».

وقال نجل المجنى عليه: «إن قيادياً أمنياً بمديرية أمن سوهاج استمر فى دعم القوايدة حتى دبرت مقتل والدى أمام المحكمة، من خلال عدم تأمين المتهمين أثناء حضورهما جلسة المحاكمة، على عكس ما يحدث فى الطبيعى، لتمكين الطرف الآخر للأخذ بالثأر».

فى المقابل، قال عبدالرحيم على عثمان، أحد أفراد عائلة القوايدة، إن شراء الأرض أثار حفيظة المجنى عليه ورفض تسليم الأرض للمشترى الجديد، وحدثت اشتباكات بين العائلتين بسبب رغبة المشترى فى تسلم الأرض وزراعتها، وتم رفع قضية من قبل عائلة القوايدة، وحكم فيها بأحقيتهم فى الأرض لكن المجنى عليه استأنف الحكم، ولم يتم الفصل فى الدعوى حتى الآن. وأضاف: «بعد ذلك حدثت اشتباكات بين العائلتين، أسفرت عن مقتل أحد شباب عائلة القوايدة، أثناء تبادل إطلاق النار، وتدخلت أطراف عديدة للصلح، لكن تمسك الطرفين برأيهما ساهم فى تعقيد المشكلة، ووضعت الأرض تحت الحراسة، وعقب قيام الثورة وحدوث الانفلات الأمنى، تم رفع الحراسة، الأمر الذى جعل (القتيل) قبل وفاته، يعود لوضع يده على الأرض مرة أخرى، ما جعل القوايدة يحاولون استردادها، وأثناء هذه المحاولات، تم قتل شخص آخر من عائلة القوايدة، بجوار الأرض المجاورة للأرض محل النزاع».

وتابع «عبدالرحيم»: «الناس تعيش حالياً حالة رعب واستعداد مستمر للمعارك، تحسباً لحدوث اشتباكات بين العائلتين وسقوط قتلى مرة أخرى من الطرفين، فالناس لا يستطيعون الخروج من منازلهم لقضاء احتياجاتهم، والطلاب لا يستطيعون الذهاب لأداء الامتحانات، والموظفون لا يذهبون إلى أعمالهم، فالجميع يخشى التعرض للقتل».

من جانبه، قال العميد محمد شوقى، نائب مأمور مركز دار السلام، إن الوضع الأمنى بالمركز مستقر وتم تخصيص فرق ملاحظة للوضع، بالإضافة إلى وجود تشكيلات قتالية موجودة بقسم الشرطة، للتدخل إذا حدث اشتباك بين الطرفين.

وأضاف: «الشرطة دعت كبار العائلات للتدخل لتهدئة الوضع، والمباحث تقوم حالياً بإعداد التحريات والأكمنة، لتضييق الخناق على الجناة، وإلقاء القبض عليهم، ولا يوجد تقصير من الأمن، كما يدعى البعض، ونحن نقوم بمباشرة جميع الإجراءات اللازمة للقبض على الجناة».

وقال المستشار أبوالمجد أحمد، رئيس لجنة المصالحات فى المحافظة، إن عائلات مركز دار السلام تبذل قصارى جهدها بجوار لجنة المصالحات، لحل هذه الأزمة التى يتعرض لها المركز كله، لأن أى أعمال عنف أخرى ستعود على المركز بالدمار، وأضاف أن «عادة الثأر سيئة وتعود بنا إلى أيام الجاهلية، ونحن نعمل على تهدئة الأمور بين الطرفين، خاصة أن العائلتين تربطهما علاقات قديمة وقوية».

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى