دكتور/توفيق حميد يكتب : “من منا اقتحم العقبة؟!”

“فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة.”

يسارع بل و يهرع الكثيرين في العالم الإسلامي إلى أداء الفروض الدينية، مثل الصلاة خمس مرات يومياً، وصوم شهر رمضان، والسفر لأداء العمرة أو الحج،، ولكن يبدو أن من يفعلون ذلك يتصورون أن أداء مثل هذه العبادات هو أكبر ضامن لهم لدخول الجنة.!

والحقيقة الغريبة هي أن القرآن لم يعط ضماناً على الإطلاق بدخول الجنة.!!

وأن القرآن الكريم أعطى أولوية أيضاً لأمور أخرى غفل عنها الكثيرون.!

وليس هناك وضوح في هذا الأمر أكثر من الآية القرآنية الكريمة التالية، والتي تتحدث عن “عقبة” أو حائل يقف بين الإنسان وبين دخول الجنة، وتصف الآية الرائعة كيفية اجتياز هذا المانع، أو كما وصفت الآية الكريمة “اقتحامه”  فقال عز وجل في سورة البلد:

{“فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ… وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ… فَكُّ رَقَبَةٍ… أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ… يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ… أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ… ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ… أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ”}.(سورة البلد 11 ـ 18)”.

ويا له من وصف ونسج أدبي رائع، (فأول عقبة) تعيق الإنسان عن دخول جنات الفردوس الأعلى يكون “اقتحامها” من خلال فك رقبة (أي تحرير إنسان من العبودية أو الرق).

والأمر بفك الرقاب في القرآن كان واضحاً كالشمس أيضاً، في قوله تعالى: {“إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”}.(التوبة ـ 60)”..وهي الآية التي تحدد مصارف الزكاة.قد يتساءل البعض: وكيف لنا اليوم بأن نفك الرقاب وليس هناك عبيد؟! … هنا يأتي التأويل بأن الإنسان في زماننا الحالي قد يكون عبداً للفقر والجوع، أو الظلم والهوان، وأن إنقاذ البشر وانتشالهم من ذل العوز والاحتياج والقهر، هو أفضل فك لرقابهم من ذل العبودية لمثل هذه الأمور.

والآن ماهي العقبة الثانية ؟! …. كما ذكرت الآية الكريمة بإطعام في يوم ذي هول شديد (ذي مسغبة)، يتيماً ” قريباً” ذا مقربة،، والقرب قد يكون في قرابة الدم، أو قرب المكان، أو في مفهوم الإنسانية عامة، وقد يكون بـ”إطعام مسكين في قمة ضعفه وقلة حيلته، حتى أنه عجز عن إزالة التراب عن جلده، فاكتسى بصورة البؤس والهوان كما وصفه القرآن بأنه أي المسكين: {“ذا متربة”} .

وكما نلحظ هنا أن الله جل جلاله ذكر في القرآن تعبيرات “يتيماً”، و”مسكيناً” ومن قبلهما “رقبة”، من دون استخدام أي أدوات تعريف مثل استخدام “ال” قبل الكلمة، حتى يعمم المعنى على الجميع، أياً كان دينهم أو عقيدتهم؛ فلم يقل عز وجل: يطعمون اليتيم المسلم، أو المسكين المسلم بل قال بصيغة النكرة “أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ… يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ… أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ”. و ذلك كي يسري المعنى على أي يتيم، أو أي مسكين!!وليس هذا الأمر بمستغرب في القرآن، وذكر أيضاً:”وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا”. (سورة الإنسان).

ثم يصف لنا القرآن بعد ذلك كيفية اقتحام العقبة الأخيرة، لدخول جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب، فكان ذلك بالتحلي بالصبر، وبأن يكون الإنسان في قلبه رحمة “وتواصوا بالمرحمة” وما أدراكم ما هي الرحمة !… فالرحمة  لا تجعل إنساناً يعتدي على آخرين، والرحمة لا تجعله يظلم زوجته، ولا الزوجه تظلم زوجها، والرحمة لا تسمح له أن يأكل حق غيره في الميراث، والرحمة لا تعطيه مجالاً أن يتعصب ضد جاره لأنه مختلف عنه في العقيدة، بل إن الرحمة تدعو إلى العدل والإنسانية، ومد اليد بلا تردد لكل من يحتاجها والرحمة كنز مكنون، وينبوع يفيض بالغيث لكل من لجأ إليه..فيا ترى من منا قد اقتحم العقبة ؟!.

Ahmed Abd-Elwahab

احمد محمد احمد عبد الوهاب قاص وصحفي بعدة صحف ومواقع إلكترونية _ رئيس مجلس إدارة موقع وجريدة "الخبر اون لاين". _ مؤسس صفحة تاريخنا الخالد

Recent Posts

ازمة الاسماك.. المقاطعة تفاعل سلبي وعلينا بزيادة الإنتاجية فهي التفاعل الايجابي

. " دعوات المقاطعة" نظرا لزيادة اسعار الاسماك نادى البعض منا بمقاطعة الشراء كمحاولة للسيطرة على اسعارها في السوق المصري…

يوم واحد ago

الاقتصادي الفرنسي صاحب نوبل 1988: اذا لم تصحح بعض مفاهيم الاقتصاد الرأسمالي ستحدث كوارث

ما قاله العالم " موريس آلياس " ‏ Allais Maurice وهو اقتصادي فرنسي حصل على نوبل عام 1988 " النظام…

أسبوعين ago

احمد عبد الوهاب يبحر ضد التيار: الحرب الايرانية الاسرائيلية.. اسمع جعجعة ولا اري طحينا

كتب/احمد عبد الوهاب لم نتذوق فرحة العيد او نشعر ببهجته، صحيح ان في القلب غصة لما يحدث في غزة. لكننا…

أسبوعين ago

النجمان عمر العبداللات و صبحي توفيق برفقة الاعلامي نمير باشا في احتفالية عيد الفطر بلوس انجلوس

كتب / طارق تغيان ظهر بمدينة لوس أنجلوس في عيد الفطر السعيد نجمين من نجوم الفن وذلك بمناسبة عيد الفطر…

أسبوعين ago

بيان من المتحدث الرسمي لوزارة الصحة بخصوص تسريب بيانات ٨٥ مليون مواطن مصري

بيان من المتحدث الرسمي لوزارة الصحة بخصوص تسريب بيانات ٨٥ مليون مواطن مصري. اوضحت وزارة الصحة المصرية في بيان للمتحدث…

أسبوعين ago

د/ تامر ممتاز يتساءل: ماذا قدمنا للحياة حتي تستمر؟!

خُلقنا لهدف ان نتحمل مسؤولية إعمار الأرض حيث استخلفنا الله عليها ومع مرور الزمان نسينا المهمة التي خُلقنا من أجلها…

أسبوعين ago