تاريخنا الخالد

معركة نصيبين في التاريخ الإسلامي.

 

كتب : طارق تغيان

   بعد هزيمة العثمانيين هزيمة منكرة في معركة نصيبين عام 1839م ووفاة السلطان محمود، تولى الحكم من بعده ابنه السلطان عبد المجيد الأول، وكان صبيا في السابعة عشر من عمره. عهد بالصدارة لخورشيد باشا غريم محمد علي باشا القديم، ومنح إياه كافة الصلاحيات في التعامل معه بشكل مباشر، ولكن هذا لم يعجب احمد فوزي باشا قبودان قائد الأسطول (الدوننمه) العثماني، والذي كان يضمر عداءا شخصيا لخورشيد فخشي انتقامه. فكان قراره بأن يتحرك بالاسطول العثماني (حوالي 26 سفينة تحمل 21 الف مابين جنود ومشاة البحرية) ويسلم كل هذا هدية لوالي مصر المتمرد محمد على باشا!

    وقد هزت تلك الواقعة أركان الدولة العثمانية، وأربكت حسابات الجميع، حتى الدول الأوروبية التي كانت تراقب الموقف عن كثب. وقد أشار فوزي باشا على محمد علي أن يتجه بالأسطول لمحاصرة الأستانة وأن يطلب من السُّلطان عزل خورشيد ومنحه هو الصدارة العظمى، وابتسم محمد علي باشا، لأن طموحه كان أبعد من ذلك بكثير!

    وتحركت المساعي الأوروبية بسرعة لاحتواء الأزمة، ونجحوا في الضغط على محمد علي باشا بقبول قرارات مؤتمر لندن والخضوع للسلطان العثماني، والانضواء من جديد تحت لواء الخلافة. وعليه صار لزاما على “الباشا” تسليم الأسطول للسلطان، وكذلك فوزي باشا لينال عقابه في الآستانة. وتحرَّج محمد علي باشا من تسليم رجلٍ لجأ لحمايته، وتفهَّم السلطان موقفه، فأوعز له إنه لا يهمه تسليم فوزي باشا حياً، فالمهم أن ينال عقابه سواء في “طوبقبو” أو في “رأس التين”!

    وأدرك محمد علي المغزى، فأعد قدحاً من القهوة ووضع فيها السُّم، وحملها بيده لفوزي باشا في جناحه، وصار يعظه موعظة بليغة عن الدنيا التي لا أمان لها، وأن المتمسك بها كمن يقبض على الهواء بيده، فهاهو بعد أن كان يحكم دولة واسعة عاد في لحظة إلى وضعه القديم، وأن الموت دائما قريب منا، وقد يأتي في طلقة غادرة أو سيفٍ بتار.. أو في كوب من القهوة! وفهم القبودان التركي المغزى من الكلام، فنظر لمحمد علي باشا ملياً، ثم تناول القدح وألقاه في جوفه وهو يهذي بالتركية: قسمت.. قسمت!

  

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى