الصفحة العامة

من المناجم إلى المصانع: كيف غيرت الإضرابات وجه الصناعة السويدية؟

تعد الإضرابات جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الحركة العمالية في السويد، حيث تعكس مسيرة البلاد عبر مراحل التصنيع وتطور العلاقات الصناعية. ومع عودة صدى الإضرابات العمالية في السويد، متمثلاً بإضراب تسلا الذي وقع في 27 أكتوبر/ تشرين الثاني 2023، يتبادر في الأذهان السؤال التالي: متى وقع أول إضراب في السويد؟ وما دور ذلك في تغيير قرارات النقابات العمالية؟

تاريخ الإضرابات في السويد
يعود تاريخ أول إضراب كبير في السويد إلى عام 1552 في منجم سالا للفضة ، حيث رفض العمال العمل لكنهم واجهوا اتهامات بالتمرد وتم سجنهم. وفي القرن التاسع عشر، بدأت الحركة العمالية السويدية بالتشكل، حيث تحولت الاحتجاجات الغذائية العفوية إلى إضرابات منظمة، ما مهد الطريق لظهور النقابات العمالية الحديثة في السبعينيات من القرن نفسه.

كما مثلت الفترة من أول النزاعات الصناعية في الخمسينيات من القرن التاسع عشر حتى توقيع اتفاقية سالتسيوبادن Saltsjöbaden عام 1938، مرحلةً مهمةً في تاريخ الإضرابات في السويد، والتي مثلت نهاية عصر الإضرابات واسعة النطاق.

أكبر الإضرابات التي وقعت في السويد
شهدت السويد عام 1909، تحولاً هاماً في تاريخها العمالي من خلال الإضراب العام، الذي يُعرف بـ “Storstrejken”. هذا الإضراب لم يكن مجرد حدث عادي، بل كان تجسيداً لقوة العمال وتضامنهم على نطاق واسع. حيث توحّد أكثر من 300,000 عامل في جميع أنحاء البلاد، معلنين توقفهم عن العمل في استعراض غير مسبوق للقوة الجماعية.

ولم يكن هذا الإضراب، الذي استمر لمدة شهر تقريباً، مجرد تحدٍ لأصحاب العمل، بل كان أول صدام كبير بين الاتحاد العام لنقابات العمال السويدية وجمعية أصحاب العمل السويديين. ويعتبر هذا الحدث واحداً من أكبر الإضرابات العامة في تاريخ السويد حتى الوقت الحالي، ويُظهر القوة التي يمكن أن تحققها الوحدة والتضامن في وجه التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

السلام يحل بين النقابات العمالية والعمال المضربين
وقعت اتفاقية سلام جماعية مهمة بين النقابات وأصحاب العمل تُعرف باسم اتفاقية سالتسيوبادن (Saltsjöbaden Agreement) عام 1938. هذه الاتفاقية تمثل نقطة تحول في تاريخ العلاقات العمالية في السويد، وكانت بمثابة نهاية لعصر الإضرابات والنزاعات العمالية الواسعة النطاق.

بدوره، أسست اتفاقية سالتسيوبادن إطاراً للحوار والتفاوض بين النقابات وأصحاب العمل، وأدت إلى تطوير نظام أكثر تعاوناً واستقراراً في العلاقات الصناعية. من خلال هذه الاتفاقية، وُضعت مبادئ وقواعد لتسوية النزاعات والحد من الإضرابات، ما أسهم في خلق بيئة عمل أكثر هدوءاً وإنتاجية في السويد.

السويد تنجح في تحويل مسار العلاقات العمالية
شهدت الساحة العمالية في السويد، تحولات عميقة على مدى العقود. في عام 2021، سجلت البلاد حدثاً لافتاً بفقدانها 11 يوم عمل فقط بسبب الإضرابات، مقارنةً بـ7,577 يوماً في عام 2019، حين شهدت السويد أكبر نزاع عمالي تمثل بإضراب طياري شركة الطيران الاسكندنافية (SAS) لمدة سبعة أيام.

وفي عام 2018، فقدت السويد 50 يوم عمل، في حين شهد عام 2020 هدوء الأجواء العمالية بشكل ملحوظ، ولم يحدث أي إضراب في تلك السنة. لم يحدث هذا التراجع في الإضرابات بمحض الصدفة، بل نتيجةً لنظام عمالي متقدم يعتمد على الوساطة والحوار بين النقابات وأصحاب العمل تحت إشراف معهد الوساطة السويدي.

تحديات سوق العمل السويدي وأهمية النقابات
وضع الإضراب سوق العمل في السويد وجهاً لوجه مع تحديات غير معتادة، خاصةً في شركات التكنولوجيا مثل تسلا، كلارنا، سبوتيفاي، في ظل تراجع التنظيم النقابي.

وفي هذا الإطار، أشار طالب الدكتوراه في التاريخ الاقتصادي، بونتوس بلومي، إلى أن جفاف التمويل في قطاع التكنولوجيا وارتفاع سعر الفائدة هما السبب وراء تصاعد النزاعات، وأكد على ضرورة وجود تنظيم نقابي لحماية حقوق الموظفين والتعامل مع التحديات الجديدة في سوق العمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى