من هنا وهناك

وهنا يرقد شامبليون!!

كتب: طارق محمد احمد تغيان

ولد “جان فرانسوا شامبليون” في الـ 23 ديسمبر سنة 1790م في مدينة فيجيا الفرنسية لأسرة متواضعة؛ فقد كان والده بائعا للكتب؛ مما كان له أثر عليه فتعلم القراءة وهو في الخامسة من عمره، وعندما أكمل الحادية عشرة صحبه والده في زيارة للعالم الرياضي الفرنسي “جان بابتيست فوربيه” الذي دفعه نحو التفكير في حل ألغاز الكتابة الهيروغليفية؛ فتحمس شامبليون لذلك وسعى في تعلم العديد من اللغات؛ فأتقن وهو في السابعة عشرة من عمره لغات عدة منها؛ العربية والعبرية والفارسية هذا فضلا عن طلاقته للإنجليزية والألمانية والإيطالية. بل وأضاف لكل تلك اللغات؛ اللغة القبطية التي اعتقد اعتقادا كاملا أنها تطور طبيعي للكتابة الهيروغليفية.

 

انتقل بعدها شامبليون إلى باريس؛ كي يدرس على يد (شيخ المستشرقين الفرنسيين) العالم “دو ساسي”، وظل هناك سبع سنوات -ذاق خلالها شظف العيش ومرارة الغربة -من أجل الكشف عن خبايا وأسرار حجر رشيد، وهو الحجر الذي تم اكتشافه بمدينة رشيد شمال مصر عام 1799م على يد جندي من حملة نابليون على مصر؛ يُدعى “بيير فرانسوا بوشار”، كما قيل.

 

ولم يكن شامبليون الشخص الوحيد الذي سعى لاكتشاف نصوص حجر رشيد؛ فقد سبقته محاولات عدة ومنها محاولات مصرية، بل وفي عام 1819م صدر مقال طويل للعالم “توماس يونج” بدائرة المعارف البريطانية احتوى على محاولاته لكشف لغز اللغة المصرية القديمة.

 

وفي سنة 1822م اكتشف شامبليون خرطوش (ختم الملك) المأخوذة من معبد أبو سمبل واستطاع من خلالها أن يميز اسم الملك رمسيس، وسعد باكتشافه هذا أيّما سعادة حتى إنه خرج إلى الشارع صارخا: “وجدتها وجدتها”، ثم نشر اكتشافه هذا في أكاديمية الآداب الفرنسية، وبالرغم من أن بحثه هذا وأبحاثه الأخرى قوبلت في البداية بالاستهجان إلا أنها كانت سببا استطاع الباحث الشاب – في النهاية – أن يتوصل من خلالها لحل لغز الكتابة الهيروغليفية وذلك بعد سنتين من اكتشافه الأول، ونُشر بحثه الأخير هذا باسم؛ “الوجيز في النظام الهيروغليفي”.

 

وكان لهذا الاكتشاف أثر كبير على شامبليون حيث ذاع صيته، وبلغت شهرته الآفاق، وتم تعيينه أمينا لمتحف اللوفر بباريس، وفي سنة 1822م جاء إلى مصر برفقة عدد من العلماء واستطاع أن يقرأ ما هو مكتوب على جدران المعابد الكبرى التي زارها، واستمرت زيارته لمصر سبعة عشر شهرا شهدت أروع إنجازاته. 

 

لكن. وبالرغم من كل تلك الإنجازات التي قام بها شامبليون إلا أنه لم يَسلم من تلك الآفة التي تميز بها الأوروبيون تجاه آثار مصر، فقد تقدم باقتراح – في ذكرى حملة نابليون على مصر – لنقل إحدى المسلات الخاصة بالملك رمسيس الثاني من أمام معبد الأقصر إلى باريس؛ واستطاع بالفعل تحقيق رغبته الآثمة تلك بعد موافقة محمد علي باشا، ونُقلت المسلة عام 1830م بعد أن تكلفت عملية نقلها مبالغ باهظة؛ حيث حُملت إلى باريس على متن السفينة “درومادير”، وفي عام 1836م تم نقلها إلى ميدان “الكونكورد” الشهير بفرنسا في حفل كبير شهده مائتا ألف متفرج يتقدمهم ملك فرنسا، ولا تزال المسلة المصرية قائمة حتى الآن في الميدان لتشهد على مدى الغدر الذي تعرضت له آثار مصر على مدار تاريخها!

 

وفي نهاية المطاف؛ مات شامبليون بباريس في مثل هذا اليوم الرابع من مارس عام 1832م، ولم يكن قد جاوز بعد الـ 42 من عمره.. مات شامبليون بعد إصابته بسكتة دماغية أثناء كتابته لتقرير كان يُعده للنشر في إحدى المجلات الفرنسية، تناول فيه زيارته لمصر واكتشافه الشهير. 

 

وللحقيقة؛ وبالرغم من كل ذلك. فقد فتحت أبحاث شامبليون الباب واسعا أمام الدراسات العلمية المتخصصة تجاه الآثار المصرية؛ حيث أخذ الباحثون يفدون إلى مصر لكشف المزيد من خبايا تلك الحضارة التي أبهرتهم بشموخها؛ وبدأت الحكومات الأوروبية في تسجيل الآثار المصرية وكل ما عليها من نقوش وكتابات هيروغليفية؛ وبلغ من اهتمامهم أن بدأ “فريدريش فيلهلم الرابع” ملك بروسيا وغيره من ملوك أوروبا يُولوا مصر اهتماما خاصا منذ عام 1842م. 

 

وقد احتفل الفرنسيون بشامبليون أيما احتفال، فهنا على قبره المرفق صورته أقاموا مسلة شبيهة بالمسلات المصرية ونحت على واجهتها: (هنا يرقد جان فراسوا شامبليون),, كما قامت الحكومة الفرنسية بإصدار طابع بريدي في ذكرى ميلاده عام 1972م، هذا فضلا عن إقامة متحف باسمه في موطنه الأصلي في فيجيا يضم مقتنياته ومذكراته.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى